بعد كل هجوم إرهابي يحدث في أوروبا تتصاعد التغطية الإعلامية للجاليات المسلمة التي تعيش هناك و خوفها من تصاعد كراهية المسلمين. لكن هل يغطي الإعلام العربي كل ما يجري هناك؟ فضيحة مدوية على التلفزيون البريطاني تثبت أن الإعلام العربي يفتقد لجزء من الصورة.
بعد قيام الإرهابي البريطاني( الليبي الأصل) سلمان العبيدي بتفجير نفسه مستهدفاً حفلة موسيقية في مانشستر يوم ٢٢ مايو/أيار هذا العام، كانت ردة فعل الرأي العام متوقعة إذ تصاعدت الأصوات المطالبة بوضع حد للإرهاب ”الإسلامي“ من جهة، و قابلتها دعوات من الجهة الثانية عن ضرورة عدم تعميم تهمة الإرهاب على كل المسلمين و عدم مؤاخذة الكل بذنوب البعض. المشكلة هي أن المسألة أعقد من هذا التبسيط و هي الحقيقة التي يخفيها الإعلام العربي. الجاليات المسلمة في الغرب في أغلبيتها الساحقة لا علاقة لها بالتطرف من قريب أو من بعيد، لكن مختلف أطياف التيارات الإسلامية السلفية و الإخوانية حاضرة بقوة و تسيطر على المساجد و المؤسسات الأكثر تنطيماً و قوة في تلك الجاليات مما يسمح لها ببث أفكارها المتطرفة بين الشباب المسلم الذي يعاني بعضه من الضياع بالإضافة لمشاكل الهوية و العقيدة.
بعد التفجير الإنتحاري بأربعة أيام (٢٦ مايو) بثت قناة البي بي سي برنامجها الحواري الشهير (كويسشون تايم) للحديث عن ذلك الهجوم الإرهابي و مشكلة التطرف، و خلال الحديث الذي حضره ممثلون عن مسجد ديدسبيري الذي كان العبيدي يتردد عليه إذ تبرأوا تماماً من جريمة سلمان العبيدي، ثم فوجئ الحضور بمواطن بريطاني غير مسلم و هو يعرض أمام الكاميرا منشورات تحريضية متطرفة من قبيل: ”الحياة في الغرب ذنب عظيم لأنها مجتمعات لا تعرف الأخلاق و الحياء..“. حاول ممثل المسجد أن يتنصل من المسؤولية عن المنشورات التي سلمها شبان كانوا يقفون أمام المسجد للرجل عند خروجه منه حيث كان يحضر جلسة حول الإعتدال و العيش المشترك. و قد قال القائمون على المسجد بأنهم لا يعرفون الأشخاص الذين وزعوا المنشورات فرد الرجل موضحاً بأن المنشورات حملت إسم المسجد.
تفاقمت الأمور عندما حصلت الفايننشال تايمز على مقطع فيديو نشرته لأحد أئمة مسجد ديدسبيري و إسمه مصطفى عبدالله قراف (الليبي الجنسية) وهو بلباس عسكري بعد إنضمامه لإحدى الميليشيات المتطرفة في ليبيا. طبعاً أنكر القائمون على المسجد معرفتهم بالموضوع. المثير للإنتباه هو أن قراف كان قد زعم سابقاً بأنه ذهب إلى ليبيا لمحاولة إنقاذ أقاربه المدنيين من الحرب أثناء الثورة على نظام القذافي، و لم يذكر أنه أصبح مقاتلاً إلا بعد أن ظهر مقطع الفيديو.
الدرس هنا هو أن الحركات الإسلامية في بريطانيا و الغرب تستغل الجاليات المسلمة و تتخفى ورائها لتبث سمومها بين أبناء المهاجرين عن طريق سيطرتها على أعداد كبيرة من المساجد و الجمعيات المسلمة، و عندما ينزلق هؤلاء إلى التطرف أو يرتكبون هجمات إرهابية تتنصل تلك الجماعات من المسؤولية مما رسخ عند الغربيين نظرة الشك لكل المسلمين الذين هم في الحقيقة عالقون بين مطرقة الإسلاميين و سندان الكراهية و الريبة الذين تسببهما تصرفات الإسلاميين. الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الحركات الإسلامية في الغرب تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن موجة المعاداة للمسلمين في الغرب و تصاعدها بشكل مخيف، و تغذية التيارات العنصرية الكارهة لكل ما هو عربي أو إسلامي.